فصل: تفسير الآيات (26- 29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (26- 29):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النبوة والكتاب فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ * ثُمَّ قَفَّيْنَا على آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابن مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنجيل وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذين اتبعوه} على دينه {رَأْفَةً وَرَحْمَةً} والرأفة أشد الرقّة {وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها} من قبل أنفسهم {مَا كَتَبْنَاهَا} فرضناها وأوجبناها {عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابتغآء} يعني: ولكنهم ابتغوا {رِضْوَانِ الله} بتلك الرهبانية {فَآتَيْنَا الذين آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ}، وهم أهل الرأفة والرحمة والرهبانية التي ابتدعوها طلباً لرضا الله {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} يعني الذين لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها وكفروا بدين عيسى وتهوّدوا وتنصّروا. وبنحو ما فسّرنا ورد فيه الآثار.
وقال ابن مسعود: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار، فقال لي: «يا ابن أمّ عبد، هل تدري من أين اتّخذت بنو اسرائيل الرهبانية؟». قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: «ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلام يعملون بمعاصي الله سبحانه، فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبقَ منهم إلاّ القليل، فقالوا: إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبقَ للدين أحد يدعو إليه، فتعالوا نتفرّق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا عيسى يعنون محمّداً فتفرّقوا في غيران الجبال، وأحدثوا الرهبانية، فمنهم من تمسّك بدينه ومنهم من كفر». ثم تلا هذه الآية {وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} الآية.
{فَآتَيْنَا الذين آمَنُواْ مِنْهُمْ} يعني: من ثبتوا عليها {أَجْرَهُمْ}، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا ابن أم عبد، أتدري ما رهبانية أُمتي؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع».
وأنبأني عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله المزني قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله ابن سليمان قال: حدّثنا شيبان بن فرّوخ قال: حدّثنا الصعق بن حزن، عن عقيل الجعدي، عن أبي إسحاق، عن سويد بن غفلة،عن ابن مسعود قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا بن مسعود، اختلف من كان قبلكم على ثنتين وسبعين فرقة ونجا منها ثلاث وهلك سائرهن، فرقة وازت الملوك وقاتلوهم على دين عيسى فأخذوهم وقتلوهم، وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم تدعوهم إلى دين الله سبحانه ودين عيسى، فساحوا في البلاد وترهّبوا وهم الذين قال الله سبحانه: {وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}».
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من آمن بي وصدّقني واتّبعني فقد رعاها حقّ رعايتها، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون».
وروى الضحّاك وعطّية عن ابن عباس قال: كتب الله سبحانه عليهم القتال قبل أن يبعث محمّداً صلى الله عليه وسلم فلما استخرج أهل الإيمان ولم يبقَ منهم إلاّ قليل وكثر أهل الشرك، وذهبت الرسل وقهروا، اعتزلوا في الغيران فلم يزل بهم ذلك حتى كفرت طائفة منهم، وتركوا أمر الله ودينه، وأخذوا بالبدعة وبالنصرانيّة وباليهودية، ولم يرعوها حقّ رعايتها، وثبتت طائفة على دين عيسى حتى جاءهم البيّنات، وبعث الله سبحانه محمّداً صلى الله عليه وسلم وهم كذلك. فذلك قوله عزّ وجلّ: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ} إلى قوله: {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمّد بن جعفر قال: حدّثنا عليّ بن حرب قال: حدّثنا ابن فضيل قال: حدّثنا عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وحدّثت عن محمّد بن جرير، قال: حدّثنا أبو عمّار الحسين بن حريث قال: حدّثنا الفضل ابن موسى عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت ملوك بعد عيسى عليه السلام بدّلوا التوراة والإنجيل. وكان فيهم مؤمنون يقرأون التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله ويأمرونهم بتقوى الله سبحانه، فقيل لملكهم: لو جمعت هؤلاء الذين شقّوا عليكم وآذوكم فقتلتموهم، أقرّوا بما نقرّ به، ودخلوا فيما نحن فيه. فدعاهم ملكهم وجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل. إلاّ ما بدّلوا فيها، فقالوا: ما تريد منّا؟ نحن نكفيكم أنفسنا. فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا اسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم اعطونا شيئاً نرفع به طعامنا وشرابنا ولا نردّ عليكم. وقالت طائفة أخرى: دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونسرب كما تسرب الوحش فإن قدرتم علينا بأرض فاقتلونا. وقالت طائفة منهم: ابنوا لنا دوراً في الفيافي ونحتفر الآبار ونحترث البقول فلا نرِد عليكم ولا نمرّ بكم. وليس أحد من أولئك إلاّ له حميم منهم، ففعلوا ذلك بهم فمضى أولئك على منهاج عيسى، وخلف قوم من بعدهم ممّن قد غيّر الكتاب، فجعل الرجل يقول: نكون في مكان فلان فنتعبّد كما تعبّد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتّخذ دوراً كما اتّخذ فلان، وهم على شركهم، ولا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم، فذلك قوله سبحانه: {وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله}. قال: ابتدعها هؤلاء الصالحون فما رعوها حقّ رعايتها، يعني الآخرين الذين جاؤوا من بعدهم، {فَآتَيْنَا الذين آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} يعني الذين: ابتدعوها {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}: الذين جاؤوا من بعدهم. قال: فلمّا بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه السلام ولم يبق منهم إلاّ قليل، انحطّ رجل من صومعته، وجاء السائح من سياحته وصاحب الدير من ديره، وآمنوا به وصدّقوه فقال الله عزّ وجلّ: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ} محمّد عليه السلام {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} قال: أجرين؛ لإيمانهم بعيسى والإنجيل وإيمانهم بمحمّد والقرآن، {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} يعني: القرآن {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} الذين يتشبّهون بهم {أَلاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّن فَضْلِ الله} إلى آخرها.
وقال قوم: انقطع الكلام عند قوله: {وَرَحْمَةً} ثم قال: {وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}؛ وذلك أنّهم تركوا الحقّ، وأكلوا لحم الخنزير، وشربوا الخمر، ولم يتوضّؤوا ولم يغتسلوا من جنابة، وتركوا الختان، {فَمَا رَعَوْهَا} يعني: الطاعة والملّة {حَقَّ رِعَايَتِهَا}. كناية عن غير مذكور. {فَآتَيْنَا الذين آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ}، وهم أهل الرأفة والرحمة {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}، وهم أهل الرهبانية والبدعة، وإليه ذهب مجاهد.
ومعنى قوله: {إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله}: وما أمرناهم إلاّ بذلك وما أمرناهم إلاّ بالترهّب، أو يكون وجهه: إلاّ ابتغاء رضوان الله بزعمهم وعَنَدهم، والله أعلم.
{ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ} محمّد عليه السلام {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ}: نصيبين {مِن رَّحْمَتِهِ}؛ لإيمانكم بالأوّل وإيمانكم بالآخر.
وقال أبو موسى الأشعري: كفلين: ضعفين بلسان الحبشة.
قال ابن جبير: وأصله ما يكتفل به الراكب من الثياب والمتاع فيحبسه ويحفظه من السقوط، يقول: يحصنكم هذا الكفل من العذاب كما يحصن الراكب الكفل من السقوط. ومنه الكفالة؛ لأنّها تحصن الحقّ.
{وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} في الناس، وعلى الصراط أحسن.
وقال ابن عباس: النور القرآن.
وقال مجاهد: الهدى والبيان، {وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
قال سعيد بن جبير: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفراً رضي الله عنه في سبعين راكباً للنجاشي يدعوه، فقدم عليه فدعاه فاستجاب له وآمن به، فلمّا كان عند انصرافه قال ناس ممّن آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلا: ايذن لنا فنأتي هذا النبيّ صلى الله عليه وسلم فنلمّ به ونجدّف بهؤلاء في البحر؛ فإنا أعلم بالبحر منهم. فقدموا مع جعفر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد تهيأ النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه السلام لوقعة أحد، فلمّا رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة وشدّة الحال استأذنوا النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه السلام فقالوا: يا رسول الله إنّ لنا أموالا، ونحن نرى ما بالمسلمين من خصاصة، فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها.. فأذن لهم فانصرفوا وأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين، فأنزل الله سبحانه فيهم {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 52] إلى قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [القصص: 54] فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن قوله: {يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} [القصص: 54]، فجروا على المسلمين فقالوا: يا معشر المسلمين، أما من آمن منّا بكتابكم وكتابنا فله أجره مرتين ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا؟ فأنزل الله سبحانه: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} فجعل لهم أجرين وزادهم النور والمغفرة ثم قال: {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب}، وهكذا قرأها سعيد بن جبير {أَلاَّ يَقْدِرُونَ} الآية.
وروى حنان عن الكلبي قال: كان هؤلاء أربعة وعشرين رجلا قدموا من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، لم يكونوا يهوداً ولا نصارى، وكانوا على دين الأنبياء فأسلموا، فقال لهم أبو جهل: بئس القوم أنتم والوفد لقومكم. فردّوا عليه: {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بالله وَمَا جَآءَنَا مِنَ الحق} [المائدة: 84]، فجعل الله سبحانه لهم والمؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه أجرين اثنين، فجعلوا يفخرون على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: نحن أفضل منكم لنا أجران ولكم أجر واحد، فأنزل الله سبحانه: {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} الآية.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن مالك قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا عبد الرحمن بن سفيان، عن صالح، عن الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له أمة فعلّمها فأحسن تعليمها، وأدّبها فأحسن تأديبها، وأعتقها وتزوّجها فله أجران، وعبد أدّى حقّ الله وحقّ مواليه، ورجل من أهل الكتاب آمن بما جاء به موسى أو ما جاء به عيسى وما جاء به محمّد صلى الله عليه وسلم فله أجران».
وقال قتادة: حسد أهل الكتاب المسلمين، فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
وقال مجاهد: قالت اليهود: يوشك أن يخرج منا نبيّ يقطع الأيدي والأرجل، فلمّا خرج من العرب كفروا، فأنزل الله سبحانه {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} أي ليعلم {لا} صلة {أَلاَّ يَقْدِرُونَ} يعني أنّهم لا يقدرون، كقوله: {أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} [طه: 89] وأنشد الفرّاء:
إنّي كفيتك ما تو ** ثق إنْ نجوت إلى الصباحْ

وسلمت من عرض الجنو ** ن من الغدوّ إلى الرواحْ

إن تهبطنّ بلاد قو ** مي يرتعون من الطلاحْ

أي: إنّك تهبطن.
{على شَيْءٍ مِّن فَضْلِ الله} الآية.
أخبرني ابن فنجوية قال: حدّثني أبو بكر بن خرجة قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال: حدّثنا الحسن بن السكن البغدادي، قال: حدّثنا أبو زيد النحوي، عن قيس بن الربيع عن الأعمش، عن عطيّة، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عزّ وجلّ قسّم الأجر وقسّم العمل، فقيل لليهود، اعملوا، فعملوا إلى نصف النهار، فقيل: لكم نصف قيراط. وقيل للنصارى: اعملوا، فعملوا من نصف النهار إلى العصر، فقيل: لكم قيراط. وقيل للمسلمين: اعملوا، فعملوا من صلاة العصر إلى غروب الشمس بقيراطين. فتكلّم اليهود والنصارى في ذلك، فأنزل الله سبحانه: {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب أَلاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّن فَضْلِ الله وَأَنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله ذُو الفضل العظيم}».

.سورة المجادلة:

مدنيّة، وهي ألف وسبعمائة واثنان وتسعون حرفاً، وأربعمائة وثلاث وسبعون كلمة، واثنتان وعشرون آية.
أخبرنا أبو الحسين عليّ بن محمّد بن الحسن المقرئ، عن مرّة قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني وأبو الشيخ عبد الله بن محمّد الأصبهاني قالا: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك الكوفي قال: حدّثنا أحمد بن يونس اليربوعي قال: حدّثنا سلام بن سليم المدائني قال: حدّثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أُبي أمامة، عن أبىّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المجادلة كُتب من حزب الله يوم القيامة».
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 7):

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)}
{قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ}: تخاصمك وتحاورك وتراجعك {فِي زَوْجِهَا} وهي امرأة من الأنصار ثمّ من الخزرج، واختلفوا في اسمها ونسبها، فقال ابن عباس: هي خولة بنت خولد. وقال أبو العالية: خويلة بنت الدليم. وقال قتادة: خويلة بنت ثعلبة. وقال المقاتلان: خولة بنت ثعلبة ابن مالك بن خزامة الخزرجية من بني عمرو بن عوف.
عطية عن ابن عباس: خولة بنت الصامت.
وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها- أنّ اسمها جميلة، وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت وذلك أنّها كانت حسنة الجسم فرآها زوجها ساجدة في صلاتها فنظر إلى عجزها، فلمّا انصرفت أرادها فأبت عليه فغضب عليها، وكان امرءاً فيه سرعة ولمم. فقال لها: أنتِ عليَّ كظهر أُمّي. ثم ندم على ما قال، وكان الظهار والإيلاء من طلاق أهل الجاهلية. فقال لها: ما أظنك إلاّ قد حرمتِ عليَّ. قالت: لا تقل ذلك، ائتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله. فقال: إني أجدني استحي منه أن أسأله عن هذا. قالت: فدعني أسأله. قال: سليه.
فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة تغسل شقّ رأسه، فقالت: يا رسول الله، إنّ زوجي أوس بن الصامت تزوّجني، وكنت شابّة جميلة ذات مال وأهل، حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرّق وكبرت سنّي ظاهر منّي وقد ندم، فهل من شيء يجمعني وإيّاه ينعشني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حرمت عليه». فقالت: يا رسول الله، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً، وإنّه أبو ولدي وأحبّ الناس إليّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حرمت عليه». فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، قد طالت صحبتي ونقصت له بطني. فقال رسول الله عليه السلام: «ما أراك إلاّ وقد حرمتِ عليه ولم أومر في شأنك بشيء».
فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قال لها رسول الله عليه السلام: «حرمت عليه» هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي وشدّة حالي، اللهمّ، فأنزلْ على لسان نبيّك.
وكان هذا أول ظهار في الإسلام. فقامت عائشة تغسل شقّ رأسه الآخر فقالت: انظر في أمري، جعلني الله فداك يا نبيّ الله. فقالت عائشة: اقصري حديثك ومحادثتك، أما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُنزل عليه أخذه مثل السبات؟ فلمّا قضى الوحي قال: «ادعي زوجك». فجاء، فقرأ ما نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وتشتكي إِلَى الله والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ثم بيّن حكم الظهار، وجعل فيه الكفّارة، فقال سبحانه: {الذين يُظَاهِرُونَ} إلى آخرها، قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلّها، إنّ المرأة لتحاور رسول الله وأنا في ناحية البيت أسمع بعض كلامها ويخفى عليَّ بعضه، إذ أنزل سبحانه: {قَدْ سَمِعَ الله} الآيات.
فلمّا نزلت هذه الآيات وتلاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «هل تستطيع أن تعتق رقبة؟». قال: إذن يذهب مالي كلّه. الرقبة غالية وأنا قليل المال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟». قال: والله يا رسول الله، إني إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرات كلّ بصري وخشيت أن تعشو عيني. قال: «فهل تستطيع أن تطعم ستّين مسكيناً؟». قال: لا والله، إلاّ أن تعينني على ذلك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي معينك بخمسة عشر صاعاً، وأنا داع لك بالبركة».
فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعاً واجتمع لهما أمرهما.
فذلك قوله: {والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ}، قد ذكرنا اختلاف القرّاء في هذا الحرف في سورة الأحزاب.
{مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} قرأ العامّة بخفض التاء ومحلّه نصب، كقوله سبحانه: {هذا بَشَراً} [يوسف: 31]. وقيل: {بأمهاتهم}. وقرأ المفضّل بضمِّ التاء. {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً} أي كذباً، والمنكر: الذي لا تعرف صحّته. {وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}
{والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ}، اعلم أنّ الألفاظ التي يصير المرء بها مظاهراً على ضربين: صريح، وكناية. فالصريح هو أن يقول: أنتِ عليَّ كظهر أُمّي، وكذلك إذا قال: أنتِ عليَّ كبطن أمّي أو كرأس أمّي أو كفرج أمّي، وهكذا إذا قال: فرجك أو رأسك أو ظهرك أو صدرك أو بطنك أو يدك أو رجلك عليَّ كظهر أُمّي، فإنّه يصير مظاهراً، وكلّ ذلك محلّ قوله: يدك أو رجلك أو رأسك أو بطنك طالق فإنّها تطلق، والخلاف في هذه المسألة بين الفريقين كالخلاف في الطلاق.
ومتى ما شبّهها بأمّه أو بإحدى جدّاته من قبل أبيه وأُمّه كان ذلك ظهاراً بلا خلاف. وإن شبّهها بغير الأمّ والجدّة من ذوات المحارم التي لا تحلّ له بحال كالإبنة والأخت والعمّة والخالة ونحوها، كان مظاهراً على الصحيح من المذاهب. فصريح الظهار هو أن يشبّه زوجته أو عضواً من أعضائها بعضو من أعضاء أُمّه، أو أعضاء واحدة من ذوات محارمه.
والكناية أن يقول: أنتِ عليَّ كأُمّي، أو مثل أمّي أو نحوها، فإنّه يعتبر فيه نيّته. فإن أراد ظهاراً كان مظاهراً وإن لم ينو الظهار لا يصِرْ مظاهراً.
وكلّ زوج صحّ طلاقه صحّ ظهاره، سواءً كان عبداً أو حراً أو ذمّياً أو دخل بالمرأة أو لم يدخل بها، أو كان قادراً على جماعها أو عاجزاً عنه. وكذلك يصحّ الظهار من كلّ زوجة، صغيرة كانت أو كبيرة، أو عاقلة أومجنونة، أو رتقاء أو سليمة، أو صائمة أو محرمة، أو ذمّية، أو مسلمة، أو في عدّة يملك رجعتها.
وقال أبو حنيفة: لا يصحّ ظهار الذمّيّ. وقال مالك: لا يصحّ ظهار العبد، قال بعض العلماء: لا يصحّ ظهار غير المدخول بها. وقال المزني: إذا طلّق الرجل امرأته طلقة رجعيّة ثم ظاهر فإنّه لا يصحّ.
{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} اعلم أنّ الكفارة تلزم بالظهار وبالعود جميعاً، ولا تلزم بأحدهما دون الآخر. كما أنّ الكفارة في باب اليمين تجب باليمين والحنث جميعاً معاً، فإذا عاد في ظهاره لزمته الكفّارة.
واختلف العلماء والفقهاء في معنى العود؛ فقال الشافعي: العود الموجب للكفّارة أن يمسك عن طلاقها بعد الظهار وتمضي مدّة يمكنهُ أن يطلّقها فلم يطلّقها. وقال قتادة: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} يريد أن يغشاها ويطأها بعدما حرّمها. وإليه ذهب أبو حنيفة، قال: إن عزم على وطئها ونوى أن يغشاها كان عوداً.
وقال مالك: إن وطئها كان عوداً، وإن لم يطأها لم يكن عوداً.
وقال أصحاب الظاهر: إن كرّر اللفظ كان عوداً وإن لم يكرّر لم يكن عوداً. وهو قول أبي العالية، وظاهر الآية يشهد له، وهو قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} أي إلى ما قالوا، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا}؛ لأنّ الله سبحانه قيّد الرقبة بالإيمان في كفّارة القتل وأطلق في هذا الموضع، ومن حكم المطلق أن يحمل على القيد. وقوله: {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} أي يتجامعا، فالجماع نفسه محرّم على المظاهر حتى يكفّر، فإن وطئ قبل التكفير فقد فعل محرّماً، ولا تسقط عنه الكفّارة بل يأتي بها على وجه القضاء، كما لو أخّر الصلاة عن وقتها، فإنّه لا يسقط عنه إتيانها بل يلزمه قضاؤها. وسواء كفّر بالإعتاق أو الصيام أو الإطعام فإنّه يجب عليه تقديم الكفّارة، ولا يجوز له أن يطأها قبل الكفّارة.
وقال أبو حنيفة: إن كفّر بالإطعام جاز له أن يطأ ثم يطعم ولم يخالف في العتق والصيام.
فهذا حكم وطء المظاهر قبل التكفير.
وأمّا غير الوطء من التقبيل والتلذّذ فإنّه لا يحرم في قول أكثر العلماء. وهو قول الحسن وسفيان، والصحيح من مذهب الشافعي. وقال بعضهم: عنى به جميع معاني المسيس؛ لأنّه عامّ وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنه.
{ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ}: تؤمرون به، {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ} الرقبة ولا ثمنها، أو يكون مالكاً للرقبة إلاّ إنّه محتاج إليها لخدمته، أو يكون مالكاً للثمن ولكن يحتاج إليه لنفقته أو كان له مسكن يسكنه، فله الانتقال إلى الصوم.
وقال أبو حنيفة: ليس له أن يصوم وعليه أن يعتق الرقبة وإن كان محتاجاً إليها وإلى ثمنها، فإن عجر عن الرقبة {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} فإنْ أفطر في أثنائها بغير عذر قطع التتابع وعليه أن يستأنف شهرين متتابعين. وإن أفطر بعذر المرض أو السفر، فاختلف الفقهاء فيه، فقال قوم: لا ينقطع التتابع وله أن يبني ويقضي الباقي، وإليه ذهب سعيد بن المسيّب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي، وهو أحد قولي الشافعي.
وقال آخرون: ليس له أن يبني بل يلزمه أن يستأنف ويبتدئ، وهو قول النخعي وأصحابه، والأصحّ من قولي الشافعي.
وإن تخلّل صوم الشهرين زمان لا يصّح فيه الصوم عن الكفّارة كالعيدين وأيام التشريق وأيام شهر رمضان، فإنّ التتابع ينقطع بذلك ويجب الاستئناف.
ولو وطئ المظاهر في الشهرين، نظرَ؛ فإن وطِئها نهاراً بطل التتابع وعليه الابتداء، وإن وطِئها ليلا لم يبطل التتابع. وقال أبو حنيفة: سواء وطئ ليلا أو نهاراً فإنّه يبطل التتابع وعليه أن يستأنف صوم شهرين متتابعين.
{فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ} الصيام، وعدمُ الاستطاعة مثلُ أن يخاف من الصوم لعلة أو لحوق ومشقّة شديدة ومضرّة ظاهرة، {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} لكلّ مسكين مدّ من غالب قوت بلده، والخلاف فيه بين الفريقين كالاختلاف في زكاة الفطرة. {ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ الله وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
{إِنَّ الذين يُحَآدُّونَ}: يخالفون ويعادون {الله وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ}: أُهلكوا وأُخّروا وأُحربوا {كَمَا كُبِتَ الذين مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عملوا أَحْصَاهُ الله وَنَسُوهُ والله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض مَا يَكُونُ} قراءة العامّة بالياء لأجل الحائل، وقرأ أبو جعفر القارئ {تكون} بالتاء لتأنيث النجوى، والأول أفصح وأصحّ {مِن نجوى} متناجين {ثَلاَثَةٍ}، قال الفراء: إن شئت خفضت الثلاثة على نعت النجوى وإن شئت أضفت النجوى إليها، ولو نصبت على أنّها حال لكان صواباً. {إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} بالعلم يسمع نجواهم ويعلم فحواهم، {وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ}، قراءة العامّة بالنصب في محلّ الخفض عطفاً. وقرأ يعقوب وأبو حاتم {أَكْثَرَ} بالرفع على محلّ الكلام قبل دخول {مِنْ}، وقرأ الزهري {أَكْثَرَ} بالباء، {إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.